فصل: قال مجد الدين الفيروزابادي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد ابن العربي في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
سورة التين فِيهَا خَمْسُ آيَاتٍ:
الْآيَةُ الأولى قوله تَعَالَى: {وَالتين والزيتون}: قِيلَ: هُوَ حَقِيقَةٌ.
وَقِيلَ: عَبَّرَ بِهِ عَنْ دِمَشْقَ أَوْ جَبَلِهَا، أَوْ مَسْجِدِهَا، وَلَا يُعْدَلُ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ إلَّا بِدَلِيلٍ.
وَإِنَّمَا أَقْسَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بـ: {التين} لِيُبَيِّنَ فِيهِ وَجْهَ الْمِنَّةِ الْعُظْمَى، فَإِنَّهُ جَمِيلُ الْمَنْظَرِ، طَيِّبُ الْمَخْبَرِ، نَشِرُ الرَّائِحَةِ، سَهْل الْجَنْيِ، عَلَى قَدْرِ الْمُضْغَةِ، وَقَدْ أحسن الْقَائِلُ فِيهِ:
اُنْظُرْ إلَى التين فِي الْغُصُونِ ضُحًى ** مُمَزَّقَ الْجِلْدِ مَائِلَ الْعُنُقِ

كَأَنَّهُ رَبُّ نِعْمَةٍ سُلِبَتْ ** فَعَادَ بَعْدَ الْجَدِيدِ فِي الْخَلَقِ

أَصْغَرُ مَا فِي النُّهُودِ أَكْبَرُهُ ** لَكِنْ يُنَادَى عَلَيْهِ فِي الطُّرُقِ

وَلِامْتِنَانِ الْبَارِي سُبْحَانَهُ، وَتَعْظِيمِ النِّعْمَةِ فِيهِ، فَإِنَّهُ مُقْتَاتٌ مُدَّخَرٌ، فَلِذَلِكَ قُلْنَا بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ.
وَإِنَّمَا فَرَّ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ تَقِيَّةَ جَوْرِ الْوُلَاةِ فَإِنَّهُمْ يَتَحَامَلُونَ فِي الْأَمْوَالِ الزَّكَائِيَّةِ، فَيَأْخُذُونَهَا مَغْرَمًا، حَسْبَمَا أَنْذَرَ بِهِ الصَّادِقُ صلى الله عليه وسلم فَكَرِهَ الْعُلَمَاءُ أَنْ يَجْعَلُوا لَهُمْ سَبِيلًا إلَى مَالٍ آخَرَ يَتَشَطَّطُونَ فِيهِ.
وَلَكِنْ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ نِعْمَةِ رَبِّهِ بِأَدَاءِ حَقِّهِ.
وَقَدْ قال الشَّافِعِيُّ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ أَوْ غَيْرِهَا: لَا زَكَاةَ فِي الزيتون.
وَالصَّحِيحُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهِمَا.
الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قوله تَعَالَى: {وَهَذَا البلد الأمين}: يَعْنِي مَكَّةَ لِمَا خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ الْأَمْنِ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي آلِ عِمْرَانَ وَالْعَنْكَبُوتِ وَغَيْرِهِمَا، وَبِهَذَا احْتَجَّ مَنْ قال: إنَّهُ أَرَادَ بـ: {التين} دِمَشْقَ، وَبـ: {الزيتون} بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَأَقْسَمَ اللَّهُ بِجَبَلِ دِمَشْقَ؛ لِأَنَّهُ مَأْوَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَبِجَبَلِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ؛ لِأَنَّهُ مَقَامُ الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ، وَبِمَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُ إبْرَاهِيمَ وَدَارُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ.
الْآيَةُ الثَّالِثَةُ قوله تَعَالَى: {لَقَدْ خلقنا الإنسان فِي أحسن تقويم}: قال ابْنُ الْعَرَبِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى خَلْقٌ هُوَ أحسن مِنْ الإنسان، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ حَيًّا عَالِمًا، قَادِرًا، مُرِيدًا، مُتَكَلِّمًا، سَمِيعًا، بَصِيرًا، مُدَبِّرًا، حَكِيمًا، وَهَذِهِ صِفَاتُ الرَّبِّ، وَعَنْهَا عَبَّرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَوَقَعَ الْبَيَانُ بِقوله: «إنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ»، يَعْنِي عَلَى صِفَاتِهِ الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا.
وَفِي رِوَايَةٍ «عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ».
وَمِنْ أَيْنَ تَكُونُ لِلرَّجُلِ صِفَةٌ مُشَخَّصَةٌ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَعَانِيَ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى الْحَدِيثِ فِي مَوْضِعِهِ بِمَا فِيهِ بَيَانُهُ.
وَقَدْ أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْأَزْدِيُّ، أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ علي بن أَبِي على الْقَاضِي الْمُحْسِنُ عَنْ أَبِيهِ قال: كَانَ عِيسَى بْنُ مُوسَى الْهَاشِمِيُّ يُحِبُّ زَوْجَهُ حُبًّا شَدِيدًا قال لَهَا يَوْمًا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لَمْ تَكُونِي أحسن مِنْ الْقَمَرِ، فَنَهَضَتْ وَاحْتَجَبَتْ عَنْهُ، وَقالتْ: طَلَّقَنِي.
وَبَاتَ بِلَيْلَةٍ عَظِيمَةٍ.
وَلَمَّا أَصْبَحَ غَدًا إلَى دَارِ الْمَنْصُورِ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ وَقال: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنْ تَمَّ على طَلَاقُهَا تَصَلَّفَتْ نَفْسِي غَمًّا، وَكَانَ الْمَوْتُ أَحَبَّ إلى مِنْ الْحَيَاةِ؛ وَأَظْهَرَ لِلْمَنْصُورِ جَزَعًا عَظِيمًا، فَاسْتَحْضَرَ الْفُقَهَاءَ، وَاسْتَفْتَاهُمْ، فَقال جَمِيعُ مَنْ حَضَرَ: قَدْ طَلُقَتْ، إلَّا رَجُلًا واحدًا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ كَانَ سَاكِتًا، فَقال لَهُ الْمَنْصُورُ: مَالَك لَا تتكَلَّمُ؟ فَقال لَهُ الرَّجُلُ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {وَالتين والزيتون وَطُورِ سينين وَهَذَا البلد الأمين لَقَدْ خلقنا الإنسان فِي أحسن تقويم} يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، الإنسان أحسن الْأَشْيَاءِ، وَلَا شَيْءَ أحسن مِنْهُ فَقال الْمَنْصُورُ لِعِيسَى بْنِ مُوسَى: الْأَمْرُ كَمَا قال؛ فَأَقْبِلْ عَلَى زَوْجِك، فَأَرْسَلَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ إلَى زَوْجِهِ أَنْ أَطِيعِي زَوْجَك، وَلَا تَعْصِيهِ، فَمَا طَلَّقَك.
فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ الإنسان أحسن خَلْقِ اللَّهِ بَاطِنًا وهُوَ أحسن خَلْقِ اللَّهِ ظَاهِرًا جَمَالَ هَيْئَةٍ، وَبَدِيعَ تَرْكِيبٍ: الرَّأْسُ بِمَا فِيهِ، وَالصَّدْرُ بِمَا جَمَعَهُ، وَالْبَطْنُ بِمَا حَوَاهُ، وَالْفَرْجُ وَمَا طَوَاهُ، وَالْيَدَانِ وَمَا بَطَشَتَاهُ، وَالرِّجْلَانِ وَمَا احْتَمَلَتَاهُ؛ وَلِذَلِكَ قالتْ الْفَلَاسِفَةُ: إنَّهُ الْعَالَمُ الْأَصْغَرُ؛ إذْ كُلُّ مَا فِي الْمَخْلُوقَاتِ أُجْمِعَ فِيهِ هَذَا عَلَى الْجُمْلَةِ وَكَيْفَ عَلَى التَّفْصِيلِ، بِتَنَاسُبِ الْمَحَاسِنِ، فَهُوَ أحسن مِنْ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ بِالْعينين جَمِيعًا.
وَقَدْ بَيَّنَّا الْقول فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْمُشْكِلَيْنِ، وَبِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْجَلِيلَةِ الَّتِي رُكِّبَ عَلَيْهَا الإنسان اسْتَوْلَى عَلَى جَمَاعَةٍ الْكُفْرَانُ، وَغَلَبَ عَلَى طَائِفَةٍ الطُّغْيَانُ، حَتَّى قال: أَنَا رَبُّكُمْ الأعلى، وَحِينَ عَلِمَ اللَّهُ هَذَا مِنْ عَبْدِهِ، وَقَضَاؤُهُ صَادِرٌ مِنْ عِنْدِهِ، رَدَّهُ {أسفل سافلين} وَهِيَ: الْآيَةُ الرَّابِعَةُ بِأَنْ جَعَلَهُ مَمْلُوءًا قَذِرًا، مَشْحُونًا نَجَاسَةً، وَأَخْرَجَهَا عَلَى ظَاهِرِهِ إخْرَاجًا مُنْكَرًا عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ تَارَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَلَبَةِ أُخْرَى، حَتَّى إذَا شَاهَدَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ رَجَعَ إلَى قَدْرِهِ.
الْآيَةُ الْخَامِسَةُ قوله تَعَالَى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الحاكمين}: قَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذَا قرأ أحدكُمْ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الحاكمين} فَلْيَقُلْ: بَلَى، وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّاهِدِينَ».
وَمِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ: «إذَا قرأ أحدكُمْ أَوْ سَمِعَ {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الحاكمين}، {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} فَلْيَقُلْ: بَلَى».
وَهَذِهِ أَخْبَارٌ ضَعِيفَةٌ، أَمَا إنَّ ذَلِكَ يَتَعَيَّنُ فِي الِاعْتِقَادِ لِأَجْلِ مَا يَلْزَمُ فِي فَهْمِ القرآن مِنْ الِانْتِقَادِ.
وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قال: «صَلَّيْتُ مَعَ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الْعَتَمَةَ، فَصَلَّى فِيهَا بـ: {التين والزيتون}»، وَهُوَ صَحِيحٌ.
وَفِي الْبُخَارِيِّ: سَمِعْت الْبَرَاءَ يَقول: «أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي سَفَرٍ، فَقرأ فِي إحدى الرَّكْعَتَيْنِ بِـ: {التين والزيتون}»، فَفَسَّرَ الْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَ قراءتها مَعَ قَصْرِهَا فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَهُوَ السَّفَرُ. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال السمين:

سورة التين:
{وَطُورِ سينين (2)}
قوله: {وَطُورِ سينين}: الطُّور جَبَلٌ. و{سينين}: اسم مكانٍ فأُضيف الجبل للمكان الذي هو به.
قال الزمخشري: ونحو سِينون يَبْرُوْن في جواز الإِعرابِ بالواو والياء والإقرار على الياءِ وتحريكِ النونِ بحركات الإِعراب. وقال أبو البقاء: هو لغةٌ في سَيْناء. انتهى.
وقرأ العامَّةُ بكسرِ السين. وابنُ أبي إسحاق وعمرو بن ميمون وأبو رجاءٍ بفتحها، وهي لغةُ بكرٍ وتميم.
وقرأ عمر بن الخطاب وعبد الله والحسن وطلحة {سِيْناءَ} بالكسر، والمد، وعمرُ أيضاً وزيدُ بن علي بفتحِها والمدِّ، وقد ذُكِرا في المؤمنين، وهذه لغاتٌ اختلفَتْ في هذا الاسمِ السُّرْيانيِّ على عادةِ العرب في تلاعُبها بالأسماء الأعجميةِ.
وقال الأخفش: {سينين} شجرٌ، الواحدة سِيْنِية. وهو غريبٌ جدًّا غيرُ معروفٍ عن أهلِ التفسير.
{وَهَذَا البلد الأمين (3)}.
قوله: {الأمين}: هذا فَعيل للمبالغةِ، أي: أمِنَ مَنْ فيه، ومَنْ دخله مِنْ إنسِيّ وطيرٍ وحيوانٍ، ويجوزُ أَنْ يكونَ مِنْ أَمُنَ الرجلُ بضمِ الميم أمانةً فهو أمينٌ، وأمانتُه. حِفْظُه مَنْ دَخَله كما يَحْفَظُ الأمين ما يُؤْتَمَنُ عليه. ويجوزُ أَنْ يكونَ بمعنى مَفْعول، مِنْ أَمِنَة لأنه مأمونُ الغَوائل.
{لَقَدْ خلقنا الإنسان فِي أحسن تقويم (4)}
قوله: {لَقَدْ خلقنا}: هذا هو المُقْسَمُ عليه.
قوله: {في أحسن تقويم} صفةٌ لمحذوفٍ، أي: في تقويم أحسن تقويم.
وقال أبو البقاء: في أحسن تقويم في موضع الحالِ من {الإنسان} وأراد بالتقويم القَوام لأنَّ التقويم فِعْلٌ وذاك وَصْفٌ للخالقِ لا للمخلوقِ. ويجوزُ أَنْ يكونَ التقديرُ: في أحسن قَوامِ التقويم، فحُذِف المضافُ. ويجوزُ أَنْ تكونَ (في) زائدةً، اي: (قَوَّمْناه أحسن تقويم) انتهى، ولا حاجةَ إلى هذه التكلُّفاتِ.
{ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أسفل سافلين (5)}
قوله: {أسفل سافلين}: يجوزُ فيه وجهان:
أحدهما: أنه حالٌ من المفعول.
والثاني: أنه صفةٌ لمكانٍ محذوفٍ، أي: مكاناً أسفل سافلين وقرأ عبد الله {السافلين} معرَّفاً.
{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ ممنون (6)}
قوله: {إِلاَّ الذين آمَنُواْ}: فيه وجهان.
أحدهما: أنه متصلٌ على أنَّ المعنى: رَدَدْناه أسفل مِنْ سِفْلٍ خلْقاً وتركيباً يعني: أقبحَ مِنْ خَلْقِه وأَشْوَهَه صورةً، وهم أهلُ النار فالاتصالُ على هذا واضحٌ.
والثاني: أنه منقطعٌ على أنَّ المعنى: ثم رَدَدْناه بعد ذلك التقويم والتحسينِ أسفل مِنْ سِفْل في أحسن الصورةِ والشكلِ حيث نَكَّسْناه في خلْقِه فقوَّسَ ظهرُه وضَعُفَ بصرُه وسَمْعُه. والمعنى: ولكن الذين كانوا صالحين مِنْ الهرمى فلهم ثوابٌ دائمٌ، قاله الزمخشري ملخصاً.
{فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بالدين (7)}
قوله: {فَمَا يُكَذِّبُكَ}: (ما) استفهاميةٌ في محلِّ رفع بالابتداء. والخبرُ الفعلُ بعدها، والمخاطَبُ الإنسان على طريقةِ الالتفاتِ وقيل: المخاطَبُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فعلى الأولِ يكون المعنى: فما يجعلك كاذباً بسبب الدِّين وإنكارِه بعد هذا الدليل، يعني أنك تُكَذِّب إذا كَذَّبْتَ بالجزاءِ؛ لأنَّ كلَّ مكذِّب بالحق فهو كاذبٌ فأيُّ شيءٍ يَضْطَرُّكَ إلى أن تكون كاذباً بسبب الجزاءِ والباءُ مِثْلُها في قوله تعالى: {على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 100]. وعلى الثاني يكون المعنى: فماذا الذي يُكَذِّبُكَ فيما تُخْبِرُ به مِنْ الجزاء والبعث وهو الدِّين بعد هذه العِبَرِ التي يُوْجِبُ النظرُ فيها صحةَ ما قلتَ؟ قاله الفراء والأخفش. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في الأسفل:
قد ورد في القرآن على ثلاثة أَوجهٍ:
الأَوّل: بمعنى أَدْون، في مقابل الفَوْق: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أسفل مِنكُمْ}، {وَالرَّكْبُ أسفل مِنكُمْ}.
الثانى: بمعنى الخسران لأَهل العقوبة: {فَجَعَلْنَاهُمُ الأسفلينَ} أَي الأَخسرين في العقوبة.
الثالث: بمعنى الأَرذل: {أسفل سافلين}: أَرذل الأَرذلين. اهـ.